الأَمْريكيُّ جُّونْ
مِنْ ايجَابِيَّاتِ تَحَدُّثِ العَديدِ مِنَ اللُّغَاتِ : التَّواصُلُ مَعَ أَشْخاصٍ مِنْ مُجْتَمَعاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمُخْتَلِفَةٍ . مِنَ الْعَادَاتِ والتَّقاليدِ والثَّقافَاتِ والتّاريخِ إِلَى العَقائِدِ والْأَدْيانِ وَاَلْعَقْليّاتِ. جَميعُها مُخْتَلِفَةٌ ! كُلُّ شَيْءٍ عَجيبٌ وَغَريبٌ بِالنِّسْبَةِ لَكَ .
حاليًّا ، لَدَيَّ أَصْدِقاءُ وَمَعارِفُ فِي مُعْظَمِ بِقاعِ العالَمِ . تَعَرَّفْتُ عَلَيْهِمْ عَنْ طَريقِ أَلْعابِ الفِيدْيُو . تَارَةً نَلْعَبُ وَتَارَةً نَتَحَدَّثُ ، أَوْ مَعًا فِي آنٍ واحِدٍ . اسْتَغْرَبْتُ وَتَعَجَّبْتُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا وَلَكِنْ لَيْسَ بِقَدْرِ نِقاشِي مَعَ رَجُلٍ أَمْريكيٍّ ، سِنُّهُ يَفُوقُ الأَرْبَعِينَ ، يَقْطُنُ بِوِلايَةِ هَاوَايْ الأَمْريكيَّةِ .
جُّونْ - Jon ، نَشَأَ وَتَرَعْرَعَ فِي أَمْريكا . كَمَا نَقولُ بِبَلَدِي : أَمْريكيٌّ " حُرٌّ " .
عِنْدَ بِدايَةِ اَلسَّنَةِ اَلثّالِثَةِ إِعْدادي ، أَرَدْتُ لَعِبَ واكْتِشافَ أَلْعابِ فِيدْيُو غَيْرِ تِلْكَ اَلَّتِي كُنْتُ أَلْعَبُ . فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ ، كُنْتَ أَمْتَلِكُ حَاسُوبًا مَحْدودَ القوَّةِ ، يُلَقِّبُونَهُ بِـ " الْحَاسُوبِ البَطَاطَا " . لَمْ يَكُنْ بِاسْتِطَاعَتِي اخْتيارُ مَا أُريدُ . رَغْمَ ذَلِكَ ، وَبَعْدَ بَحْثٍ طَويلٍ ، عَثَرْتُ عَلَى لُعْبَةٍ ، تَبْدُو مُذْهِلَةً ، يُمْكِنُ لِحاسوبي تَحَمُّلُها .
كَانَتْ تَحْتَوِي عَلَى كَثيرٍ مِنْ التَّعْليماتِ والتَّفاصيلِ ، لِدَى بَدَأْتُ بِطَلَبِ يَدِ اَلْمُساعَدَةِ مِنَ اللَّاعِبِينَ الأَكْثَرِ خِبْرَةً وَسُرْعَانَ مَا اِلْتَقَيْتُ بِجُّونْ . كَانَ لَدَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ آلَافِ ساعَةٍ مِنَ الخِبْرَةِ بِهَذِهِ اَللُّعْبَةِ . كَانَ يَعْرِفُ كُلَّ أَرْجَائِهَا !
فُوجِئْتُ بِكَوْنِهِ أَمْريكيًّا لِأَنَّنِي نَادِرًا مَا أُصادِفُ الِامْرِيكِيّينَ ، فَأَقْرَبُ " سِيرْفْرْ - Server " هوَ " السِّيرْفْرْ " الأوروبّيُّ ( تَقومُ مُعْظَمُ الَالْعابِ بِاخْتِيَارِ أَقْرَبِ سِيرْفْرْ مِنْكَ تِلْقَائِيًّا مِنْ أَجْلِ تَجْرِبَةٍ أَفْضَلَ ) . رُبَّمَا سِيرْفِراتُ هَذِهِ اللُّعْبَةِ تَعْمَلُ بِشَكْلٍ مُخْتَلِفٍ ، اللَّهُ أَعْلَمُ .
شَرَحَ لِي الأَوْلَوِيَّاتِ ، وَعِنْدَهَا ، أَعْجَبَنِي سِلاحٌ مُعَيَّنٌ يَتَطَلَّبُ صُنْعُهُ العَديدَ مِنَ المُكَوِّنَاتِ . كَانَ جُّونْ يَعْرِفُ بِالضَّبْطِ أَيْنَ يُمْكِنُ العُثورُ عَلَيْهَا ، وَلَكِنَّ الأَمْرَ يَحْتَاجُ وَقْتًا .
بَدَأْنَا بِالْقِيَامِ بِشَتَّى المَهامِّ فِي مُخْتَلِفِ الكَواكِبِ ، داخِلَ وَخارِجَ النِّظامِ الشَّمْسيِّ ، وَفِي بَعْضِ النُّجومِ . كُنَّا نَتَحَدَّثُ خِلالَ السَّفَرِ مِنْ كَوْكَبٍ لِآخَرَ وَخُصُوصًا بَعْدَ نِهايَةِ المَهامِّ ، حَيْثُ كُنَّا نُصَنِّفُ المَوادَّ الأَوَّلِيَّةَ اَلَّتِي حَصَلْنَا عَلَيْهَا وَنُرَتِّبُها داخِلَ المَرْكَبَةِ . كَانَ يَقومُ بِأَغْلَبِ العَمَلِيَّاتِ . كُنْتُ أُساعِدُهُ قَلِيلًا فَحَسْبْ .
*كَانَتْ لَدَيَّ العَديدُ مِنْ الصّوَرِ مَعَ جُّونْ فِي المَرْكَبَةِ وَأَثْنَاءَ المُهِمَّاتِ ، وَلَكِنْ لِلْأَسَفِ نَسيتُ حِفْظَها قَبْلَ عَمَلِ فُورْمَاتْ لِلْحَاسُوبِ . كَانَتْ قَدْ مَرَّتْ سَنَوَاتٌ عَلَى لِقائِي بِهِ . نَسيتُ أَمْرَها تَمَامًا…*
كُنَّا نَتَحَدَّثُ ، تَعْلَمونَ … الأَسْئِلَةَ الِاعْتِيَادِيَّةَ إِلَى آخِرِهِ … ، ثُمَّ :
أَنَا : يَا رَجُلْ ، مَاذَا لَدَيْكَ كَعَمَلْ ؟
جُّونْ : كُنْتُ أَعْمَلُ بِمَطْعَمٍ وَلَكِنْ حاليًّا بِدُونِ عَمَلٍ .
نَسيتُ سَبَبَ تَوَقُّفِهِ ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُهِمُّنا .
أَنَا : مَهْلًا ! ؟ أَلا تَمْلِكُ دِبْلومًا أَوْ مَا شَابَهَ ؟
جُّونْ : بَلَى ، وَلَكِنْ لَيْسَ هُنَاكَ أَيُّ فُرْصَةِ عَمَلٍ . حَتَّى وَإِنْ وَجَدْتَ فَسُرْعَانَ مَا يَطْرُدُونَكَ ، أَوْ لَا يَقُومُونَ بِتَرْسيمِكَ عَمْدًا.
أَنَا ، مُتَعَجِّبًا : مَاذَا تَقولُ يَا رَجُلْ ؟ أَلا تَقْطُنُ فِي أَمْريكا ؟ الأَقْوَى فِي العالَمِ ؟ ! ظَنَنْتُ أَنَّ الظُّروفَ سَتَكُونُ أَحْسَنَ بِكَثِيرٍ ! . . . إِضافَةً إِلَى امْتيازاتٍ أُخْرَى !
جُّونْ : الِامْتِيَازَاتُ يُعْطونَها فَقَطْ لِلْمُهَاجِرِينَ لِتَشْجيعِهِمْ عَلَى العَمَلِ هُنَا ، وَخُصُوصًا لِتَشْجِيعِ أَقارِبِهِمْ عَلَى الهِجْرَةِ كَذَلِكَ . إِنَّهُمْ بِحَاجَةٍ إِلَيْهُمْ . أَمَّا إِذَا كُنْتَ أَمْريكيَّ الأَصْلِ فَيُعَامِلُونَُكَ كَالْكَلْبِ أَوْ أَسْوَأُ !
فوجِئُتْ مِنْ كَلامِ جُّونْ . وَمِنْ ثَمَّ شَرْعْنا فِي النِّقاشِ عَنِ الدَّوْلَةِ والسّياسَةِ والِاقْتِصادِ . أَخْبَرَنِي بِأَنَّهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ المواطِنُ الأَمْريكيُّ يَتَوَفَّرُ عَلَى أُجْرَةٍ عاليَةٍ فَاَلْأَثْمِنَةُ عاليَةٌ كَذَلِكَ ، بِمَا فِيه كَثْرَةُ الضَّرائِبِ . أَمَّا التَّأْمِينَاتُ الِاجْتِماعيَّةُ والتَّغْطيَةُ الصِّحّيَّةُ فَهِيَ باهِظَةٌ !
فِي كَثيرٍ مِنَ البُلْدانِ - بِمَا فِيه بَلَدي - ، يَتَحَدَّثُ مُعْظَمُ النّاسِ عَنِ الغَرْبِ بِطَريقَةٍ مِثاليَّةٍ وَبِأَنَّهُمْ مُتَفَتِّحونَ وَمُنَظَّمونَ وَ… وَ… . كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلُ مَرَّةٍ أَسْمَعُ فيها شَخْصًا أَصْلُهُ مِنْ دَوْلَةٍ غَنيَّةٍ - وَلَيْسَ أَيَّ واحِدَةٍ ، إِنَّهَا الوِلاياتُ المُتَّحِدَةُ ! - يَنْطِقُ بِالسُّوءِ عَنْهَا . لِذَلِكَ بَقِيَ لِقائِي بِجّونْ مُرَسَّخًا فِي ذِهْني .
عِلْمًا أَنَّ الْيَابَانَ مِنْ أَوائِلِ القِوَى الِاقْتِصاديَّةِ عَالَمِيًّا ( الثّالِثَةُ حاليًّا ) ، أَخْبَرَنِي صَدِيقِي اليابانيِّ " كِنْوَا " ، اَلْبالِغَ مِنْ العُمُرِ اثْنانِ وَعِشْرينَ سَنَةً ، يَوْمًا ، بَعْدَ مَا سَأَلْتُهُ عَنْ مَقالَةٍ كُنْتَ قَدْ قَرَأْتُها بِخُصُوصِ مُجْتَمَعِهِ ، بِأَنَّ اليَابَانِيِّينَ صارِمونَ جِدًّا وَيُبالِغونَ فِي كَثيرٍ مِنْ الأُمورِ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ قَدْ يَتِمُّ اتِّباعُكَ قَضَائِيًّا - مِنْ طَرَفِ يابّانيٍّ - عَلَى أَبْسَطِ الأَشْياءِ . رَوَى لِي أَيْضًا عَنْ أَحْداثٍ كَانَ يُظْهِرُ مِنْ خِلالِها عَدَمَ الرِّضَا بِدَوْلَتِهِ ومُجْتَمَعِهِ . عَلَى سَبيلِ المِثَالِ قَامَ رَجُلٌ يابانِيٌّ أَثْناءَ رُكُوبِهِ القِطارَ بِضَغْطِ زِرِّ الطَّوَارِئِ . حَضَرَ الأَمْنُ في الحينِ وَ ارْتَبَكَ جَميعُ المُسَافِرِينَ ، لِيَكُونَ السَّبَبُ وَراءَ ذَلِكَ هوَ عَطْسُ الشَّخْصِ اَلَّذِي كَانَ يَجْلِسُ بِجَانِبِهِ . أَخْبَرَ ، بِغَضَبٍ ، المَسْؤُولِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَمْ يَكُنْ يَرْتَدِي كَمَّامَةً ، وَكَانَ مِنْ المُمْكِنِ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي نَشْرِ الدّاءِ داخِلَ القِطارِ . فِي النِّهَايَةِ أَخْبَرَ مَسْؤولٌ الرُّكّابَ بِاحْتِرامِ الإِجْراءاتِ الِاحْتِرازيَّةِ وَتَجَنُّبِ ضَغْطِ زِرِّ الطَّوَارِئِ فِي حَوادِثَ مُماثِلَةٍ . وَفِي مَرَّةٍ أُخْرَى ، حَدَّثَنِي عَنْ يابّانيٍّ تابِعَ رَجُلًا قَضَائِيًّا بَعْدَمَا قَامَ بِالتَّقْلِيلِ مِنْ احْتِرامِهِ فِي رَدٍّ لَهُ عَلَى "تْوِيتْرْ" ("إِكْسْ" حاليًّا) ، وَفِعْلًا تَمَّتِ المُحاكَمَةُ وَقَامَ بِدَفْعِ غَرامَةٍ . لَمْ يَقُمْ بِسَبِّهِ أَوْ شَتْمِهِ . فَقَطْ قَلَّلَ مِنْ احْتِرامِهِ ! و أَضَافَ إِلَى قَوْلِهِ مَشاكِلَ سياسيَّةٍ مُعَبِّرًا عَنْ رَأْيِهِ بِخُصُوصِهَا .
إِذَا بَحَثْتَ ، سَتَجِدُ أَنَّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَديقَايَ واقِعيٌّ . فَفِي بَلَدِكَ أَوْ غَيْرَهُ سَتَجِدُ نَوْعًا مَا مِنَ المَشاكِلِ .
لَمْ يَكُنْ يُهِمُّني هَلْ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ صَحيحٌ أَمْ دَقيقٌ أَوْ مُبالَغٌ فِيه أَوْ شَيْئًا آخَرُ . مَا لَفِتَ انْتِبَاهِي هوَ أَنَّهُ أَشْخاصٌ تَفْصِلُهُمْ مَسافاتٌ شاسِعَةٌ ، وَبِأَوْضاعٍ وَظُروفٍ وَأَعْراقٍ وَأُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ تَمَامًا ، وَمِنْ جَميعِ الفِئَاتِ العُمُريَّةِ يَتَصَرَّفُونَ بِنَفْسِ الطَّريقَةِ!
كُلُّ مَا شَاهَدْنَاهُ سَابِقًا وَمَواقِفُ أُخْرَى مُشابِهَةٌ دَفَعَتْ بِي إِلَى التَّفْكيرِ أَنَّ المُشْكِلَةَ لَيْسَتْ خارِجيَّةً ، بَلْ قَدْ تَكونُ داخِليَّةً ! فَهَلْ هِيَ فِعْلًا كَذَلِكَ ؟
تعليقات
إرسال تعليق